ناقشتُ في المقالة السابقة نظرياتٍ وأبحاثا تتعلق بحالة العميل النفسية وقت الانتظار. في هذه المقالة والتالية لها بمشيئة الله نناقش كيفية الاستفادة من هذه النظريات والأبحاث في تحسين تجربة الانتظار فنستعرض بعض الحلول التطبيقية.
تجدر الإشارة إلى أن المقالة السابقة وهذه المقالة لا تناقشان وسائل تقليل وقت الانتظار نفسه ولكنهما تناقشان كيفية تحسين تجربة الانتظار. في مقالة تالية إن شاء الله أناقش كيفية تقليل وقت الانتظار فهو موضوع مكمل لهذا الموضوع.
هل يملك المدير شيئا؟
الكثير من المديرين يتصور أنه لا يمكنه تقديم شيء لتحسين تجربة الانتظار فالعميل عليه أن يكون صبورا. والواقع يُكَذِّب ذلك فطالما كانت تجربة الانتظار في مكان ما جيدة فلا يوجد ما يمنع ان تكون جيدة في مكان آخر. هناك مؤسسات تسعد عندما تتعامل معها وهناك مؤسسات تشعر بالحزن عندما تضطر للتعامل معها. هناك انتظار لا يُشعر بالضيق وهناك انتظار يُشعر بالأسى.
قد لا تتمكن من تقليل وقت الانتظار عن متوسط ما ولكن يمكنك فعل الكثير لجعل تجربة الانتظار مريحة للعميل. وهذا بالطبع له دور أساسي في رضاء العميل عن مؤسستك بالكامل وهو ما يؤثر على سمعة المؤسسة لأن العميل المُستاء يكون محفَّزا لنقل تجربته لغيره وبالتالي تنتشر أخبار التجارب السيئة سريعا.
قصة واقعية
قصّ علي صديقي موقفا حدث معه إذ إنه ذهب بابنته المريضة لطبيب لم يسبق له التعامل معه. وكان متوترا بسبب مرض ابنته وظل ينتظر ولكنه لاحظ دخول أفراد حضروا بعده فانفعل وتحدث بِحِدة مع موظفة الاستقبال. ونظرا لارتفاع صوته فقد انتبه الطبيب وخرج من مكتبه وحاول تهدئة صديقي وطلب منه الانتقال لغرفة كشف مجاورة. وانتظر صديقي في تلك الغرفة حتى أتى دوره فدخل للطبيب والذي أصبح بعد ذلك طبيب أطفاله.
هذه القصة نرى فيها عدة أشياء فصديقي انفعل بسبب عدم معرفته بنظام دخول المرضى فقد كان نظام العيادة يسمح بحجز مواعيد ولما لم يكن صديقي قد حجز موعدا قبل حضوره فلم يكن له أولوية الدخول. هذا يتفق مع البحث الذي أوضح الفارق بين العميل الذي اعتاد التردد على المكان وذلك الذي لا يتردد على المكان. فكان من الممكن تلافي هذا الموقف لو أوضحت له الموظفة النظام عند حضوره للعيادة. وقد كان دخول صديقي لغرفة كشف مجاورة سببا في هدوئه مع أنه لم يدخل مبكرا ولكنه أصبح لديه شعور ببداية الخدمة فأصبح الانتظار في أثناء الخدمة. هذا يتفق مع ما قاله مايستر من أن الانتظار قبل الخدمة أصعب من الانتظار أثناء الخدمة.
هناك مواقف انتظار كثيرة نصادفها في حياتنا وبعضها سيء جدا بحيث لا ينسى وبعضها رائع بحيث لا ينسى. والآن علينا جعل تجربة الانتظار لعملائنا رائعة بحيث لا تنسى. علينا استخدام ذلك كميزة تنافسية.
أفكار تطبيقية لتحسين تجربة الانتظار
بناء على ما استفدناه من النظريات والأبحاث نحاول هنا استعراض أفكار تطبيقية لكل من كل عنصر في تلك النظريات.
1- الانتظار العادل يمر أسرع من الانتظار غير العادل: يمكنك كمدير أو مسئول عن مكان يتعامل مع عملاء أن تجعل الانتظار عادلا. لا تنتظر أن يقوم العملاء بنتظيم طوابير واحترامها ولكن يمكنك أن:
– تضع علامات على الأرض توضح مسار الطابور مثل أن تضع خطين على الأرض أمام مكتب الموظف أو أمام نافذة التعامل مع العملاء. ويمكنك أن تضع حبلا شكله جميل ليميز مسار الطابور. هذا يعطي إحساسا بأن هذه المؤسسة تهتم باحترام الطوابير
– تُدرب المتعاملين مع العملاء على الاهتمام بأن يتم التعامل مع العميل بناء على ترتيبه في طابور الانتظار فيرفض أن يتعامل مع أي شخص لا يحترم ترتيب الانتظار. هذه مسألة تخص مؤسستك لأن الانتظار العادل يبدو أسرع من الانتظار غير العادل فالعميل الذي سينتظر عشر دقائق لتلقي الخدمة لن يشعر بالاستياء ولكن العميل الذي ينتظر خمس دقائق لأن دوره في الطابور لم يُحترم سيكون ساخطا على مؤسستك
2- الأوقات الفارغة تمر ببطء بينما الأوقات المشغولة تمر بسرعة: لا تنتظر أن يشغل العميل نفسه ولكن قم أنت بتوفير ما يشغله أثناء الانتظار. ماذا يمكن أن تفعله:
– وفر أشياء مقروءة مثل المجلات أو الجرائد
– وفر حاسوبا متصل بالشبكة الدولية (الإنترنت)
– وفر حاسوبا عليه برامج مسلية أو تعليمية لها علاقة بما تقدمه من خدمة أو ليس لها علاقة بالخدمة ولكنها تلقى اهتمام العملاء
– شغل جهاز تلفزيون يعرض أشياء (محترمة) قد تناسب المنتظرين
– ضع بعض المطبوعات في مواضيع قد يهتم بها المنتظرين
– في كثير من الأسواق التجارية يتم عرض بعض المنتجات الصغيرة حول مسار طابور دفع الحساب. فمثلا توضع حوامل عليها حلويات وجرائد ومجلات. هذا يشغل المنتظرين ويجعلهم يشترون منها
– من أسوأ ما يمكن أن يحدث لك أثناء الانتظار أن يبدأ أطفالك الصغار في البكاء والتململ لذلك فإن الكثير من المؤسسات التي قد يحتاج الأب أو الأم أو كلاهما أن يأتي إليها بصحبة أبنائه تهتم بتوفير ما يشغل هؤلاء الأطفال. لاحظتُ في الولايات المتحدة أن العيادات تحتوي على لعب للأطفال مثل القطع الخشبية ذات الألوان الزاهية وما إلى ذلك من ألعاب مسلية وآمنة وغير مزعجة. وقد توفر بعض الأسواق التجارية مكانا يلعب فيه الأطفال ريثما ينتهي الوالدان من التسوق.
من المهم أن تجذب هذه الأشياء انتباه العملاء فمثلا عندما تضع مطبوعات باللغة العربية تحوي نصائح عن بعض الأمراض في عيادتك فإنه يُتوقع أن يهتم المرضى بقراءتها أثناء الانتظار. وعندما تضع نصائح عن القيادة الآمنة أو تعرض أفلاما عن صيانة السيارة أو عن الموديلات الجديدة لشركتك فإن هذا قد يشغل المنتظرين. أي برامج تلفزيونية لائقة أو مباريات رياضية قد تشغل الكثير من العملاء. فحسب نوعية المنتظرين عليك أن تستخدم وسائل تشغلهم. وبعد ذلك تابع ولو بمجرد النظر تأثير هذه الوسائل وما يلقى اهتمام العملاء وما لا يلقون له بالاً وقُم بتحسين هذه الوسائل.
3- أوقات الانتظار قبل بدء الخدمة أطول من أوقات الانتظار التالية لها: هذه فرصة عظيمة لك كمدير فيمكنك تقليل الإحساس بوقت الانتظار بأن تجعل معظمه يحدث بعد البدء في الخدمة. هذا الأمر يكون مهما عندما يكون وقت الانتظار طويلا جدا. فمثلا:
– حاول أن تجعل موظفا ما يستلم الأوراق من العميل ثم بعد ذلك ينتظر لكي تتم الخدمة فهذا أفضل من تركه ينتظر ثم طلب الأوراق وقت التنفيذ مباشرة
– قَسِّم أوقات الانتظار فاجعل العملية تتم على مراحل بينها انتظار قصير بدلا من أن تتم في مرحلة واحدة قبلها انتظار طويل. يمكنك أن تقوم بذلك بنفس الموارد التي لديك.
– اجعل المُمرض يدون بيانات المريض ويقوم ببعض الأعمال التحضيرية مثل قياس ضغط الدم أو قياس الوزن لكي يشعر المريض ببداية الخدمة كما وأن ذلك يوفر وقت الطبيب وبالتالي يقلل وقت الانتظار
– استخدم نظام الطوابير الملتوية أي التي تقف في خط ملتو بحيث يكون هناك طابور واحد مجمع بدلا من عدة طوابير لأن العميل يشعر بحركة الطابور ويشعر بأن هناك تقدم في الحصول على الخدمة. بالإضافة لذلك فهي تمنع من الشعور بأن الطابور المجاور يسير بشكل أسرع ولكن يعيبها أنها تستغل مساحة كبيرة ويكون الطابور فيها طويلا.
– استخدم وسيلة رد أتوماتيكية على الرسائل التي تصل لخدمة العملاء لمجرد إثبات استلام الرسالة وأنها تحت البحث فهذا يعطي إحساسا ببدء الخدمة
– استخدم رسائل مسجلة مختلفة يسمعها الشخص الذي ينتظر خدمة العملاء على التلفون واجعلها مختلفة بحيث تكون مفيدة وتشعر بتغير الأحوال
– حاول تقليل وقت الانتظار قبل الخدمة كثيرا وهذا ليس صعبا فمثلا من السهل زيادة عدد من يتلقون الطلبات في المطعم لأن مهارة مُتلقي الطلب ليست خاصة
4- الانتظار المنفرد يمر أبطأ من الانتظار في جماعة: قد يبدو هذا خارج سيطرتك ولكن يمكنك ان تفعل شيئا:
– قدم عروضا ترتبط بحضور أكثر من عميل مثل توفير تخفيض على الشراء الجماعي أو على الوجبة الثانية او على التذكرة الثانية…
– اجعل مكان الانتظار يسمح للمنتظرين بالتفاعل مثل الانتظار في كراسي على شكل مستطيل أو دائرة فقد يقوم بعض المنتظرين بالتحاور
– توفير ما يشغل العميل الذي ينتظر وحده
5- الانتظار غير المحدد يمر أبطأ من الانتظار المحدد: عندما تسأل الموظف عن وقت الانتظار فإنه يبدو عادة غير مهتم بالإجابة أو قد يشرح لك عجزه عن الإجابة لتغير الأحوال وقد يقول لك أي وقت يأتي على باله. هذا يجعل وقت الانتظار يبدو أطول وتجربة الانتظار سيئة في نظر العميل. مع الأسف الانتظار غير المحدد شائع لدينا وهناك الكثير من الأشياء البسيطة التي يمكنك عملها لجعل الانتظار محددا وتحسين تجربة الانتظار مثل:
– أن تدرب العاملين على الاهتمام بتوضيح وقت الانتظار للعميل خاصة إذا كان طويلا
– أن توضح الزمن المتوسط للانتظار في ساعة رقمية تكون في مكان واضح أمام المنتظرين
– أن تدرب العاملين على تقدير زمن الانتظار. على الرغم من تغير زمن الخدمة من عميل لعميل فإن هناك قيمة تقديرية لزمن الانتظار يمكن أن يسترشد بها العميل. مع الأسف الكثير من الأطباء يزعم عدم قدرته على تحديد مواعيد وهو ما يترتب عليه انتظار المرضى لأوقات طويلة وهم أساسا مرضى يرهقهم الانتظار في عيادة الطبيب. ولكن توجد قلة تستخدم المواعيد بنجاح. فعلى الرغم من أن مريضا قد يستغرق بضع دقائق في الكشف بينما يستغرق الآخر ثلث ساعة فإن هناك زمنا متوسطا للكشف وبناء عليه يمكنك إخبار المريض بموعد كشفه ول بشكل تقريبي
– حاول تقليل المتغيرات التي تجعل هناك صعوبة في تحديد وقت الانتظار فمثلا إذا كنت طبيبا فحدد موعدا خاصا بعد مواعيد العيادة للحالات الخاصة التي تحتاج زمنا طويلا في الكشف. يمكن للمدير إحالة بعض الخدمات الكبيرة لموظف آخر غير الذي يستقبل العملاء. هذا يجعل زمن الخدمة متقاربا ويمكنك من تحديد زمن بشكل أكثر دقة
– توضيح أوقات العمل والراحات في مدخل المؤسسة بحيث يراها العميل عند قدومه قبل أو بعد ساعات العمل أو أثناء الراحات
– توضيح سبب عدم تواجد الموظف وموعد عودته لمكتبه بلافتة صغيرة. فمثلا عند قيام الموظف للصلاة يمكن ترك لافتة صغيرة توضح موعد عودته لكي يعرف من ينتظر مدة انتظاره، ما لم يكن من الممكن أن يقوم موظف آخر بعمله ريثما يصلي.
6- الانتظار غير المبرر يمر أبطأ من الانتظار المبرر: كثيرا ما تنتظر ولا تعرف السبب وهذا يجعلك في شدة الضيق وتظن أن السبب هو تكاسل الموظف أو عدم حضوره في موعده. يمكننا أن تفعل الكثير لتقليل من هذا الأمر:
– توضيح أنظمة العمل ومواعيده فقد يكون هناك سبب قوي ومقبول للانتظار ولكن لا يتم توضيحه للعميل فمثلا قد ينتظر العميل بسبب انقطاع الكهرباء أو عطل في الشبكة الدولية (الإنترنت) أو بسبب أنه أتى في فترة راحة أو بسبب أن مطلبه يحتاج عدة إجراءات…ولكن عندما لا يوضح أحد ذلك للعميل فإنه يشعر بأن الانتظار غير مبرر ويشعر بالضيق وقد ينفعل ويصبح الموقف سيئا. بعض التدريب للموظفين يغني عن ذلك كله وبعض اللافتات التي توضح مواعيد العمل والراحات تغني عن ذلك…
– توضيح الأوراق المطلوبة لكل خدمة مسبقا مثل توضيحها على الشبكة الدولية وفي مكان تقديم الخدمة. هذا يمنع من انتظار العميل في طابور ثم اكتشافه أن عليه تصوير بعض الأوراق أو إحضارها فيضطر أن يعود في وقت لاحق لينتظر مجددا. هذا الانتظار غير مبرر إذ إن توضيح المطلوب مسبقا يغني عن الانتظار مرارا وتكرارا
– عدم تواجد موظفين يعملون في أعمال أخرى غير خدمة العملاء في مكان خدمة العملاء أثناء الزحام وطول الانتظار. عندما تنتظر وقتا طويلا لتلقي الخدمة وترى موظفين يقومون بأعمال أخرى غير التعامل المباشر مع العملاء فإنك تشعر بالضيق لأنك تظن أنه كان يمكن لهؤلاء الموظفين المساعدة في تقليل وقت الانتظار.
– أوضح غلق منافذ التعامل مع الجمهور غير العاملة في الوقت الحالي لكي لا يظن العميل أن الموظف تركه وخرج ليشرب فنجانا من الشاي. مما يثير الشخص المنتظر أن يرى نوافذ كثيرة للتعامل مع الجمهور والكثير منها ليس فيه أي موظف. لذلك فإن النوافذ التي تستغل مثلا في أوقات الزحام الشديد يجب أن يكون من الواضح تماما للعملاء أنها غير عاملة.
– بالطبع تجنب أن يضطر العميل لينتظر بدون سبب مقبول
ونستكمل الرحلة في المقالة التالية إن شاء الله.
مقالات ذات صلة:
إدارة تجربة الانتظار من الناحية التطبيقية -2
من مراجع الموضوع:
1. Haynes, P.J., “Hating to wait: managing the final service encounter”, Journal of Services Marketing, Vol. 4 No. 4, Fall 1990, pp. 20-6.
2. Katz, K., Larson, B. and Larson, R., “Prescriptions for the waiting in lines blues: entertain, enlighten and engage”, Sloan Management Review, Winter 1991, pp. 47-61.
3. Jones, P. and Peppiatt, E, “Managing perceptions of waiting times in service queues”, International Journal of Service Industry Management, Vol. 7, No. 5, 1996, pp. 47-61.
4. Dawes, J. and Rowley, J., “The waiting experience: towards service quality in the leisure industry”, International Journal of contemporary Hospitality Management, 8/1, 1996, pp. 16-21.
5. Service Management, Fitzsimmons and Fitzsimmons, Irwins MacGraw-Hill, 3rd edition, 2000.
مواقع تناقش نفس الموضوع
لقد اثار موضوع ادارة الوقت اهتمامي منذ مطالعتي له , ثم شاءت الصدف ان يطلب منا استاذ مادة ادارة العمليات بحث بعنوان
( queuing theory_ concepts & bractice )
فلو بالامكان مساعدتي و لكم جزيل الشكر
الأستاذ فائز
ربما أكتب في هذا الموضوع في المستقبل البعيد إن شاء الله.
شكرا
الموضوع ثري بالافكار العملية جدا بارك الله فيكم لكن من يسمع ومن يجيب الطوابير اصبحت ظاهرة تعود الناس عليها تصوروا المحل الدي ليس امامه طابور لا يدخله المشترون ؟؟؟؟؟وصاحب المحل يقصد تعطيل الخدمة كي يتسنى له ان يجمع عدد ما من الناس لجلب المارين هده حقيقة مرة تعيشها المجتمعات العربية للاسف
في احدى المرات كنت في احدى المؤسسات الحكوميه وكان هذا اجمالي الوقت الضائع :
أخذ رقم للأنتظار قبل الدوام بنصف ساعه …
وقت الانتظار 3 ساعات …. (علماً بأنه اذا ليس لك الفرصه في الخدمه اذا تجاوز العداد رقمك !!)
الخدمه في 3 دقائق …(أخذ مني الأوراق وقال لي :تعال اليوم التالي لاستلام الاوراق !!!)
متى يدركون أن أوقاتنا ثمينه كما هي ثمينة لديهم ….
جزاك الله خيرا, معلومات قيمة جدا.