رغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على صاحبنا في عمله كمدير لتخطيط الإنتاج إلا أنه ما زال هناك مجال للتعلم والتحسين. نتابع في هذه المقالة رحلتنا مع صاحبنا ورفاقه مع ملاحظة أن بعض الأرقام قد تم تغييرها بما لا يُخِل بفهم الموضوع.
دراسة قرار بيع المنتج بتخفيض في السعر
رغم أن الإنتاج يتم طبقا لطلبات العملاء فإن طبيعة العملية الإنتاجية، بالإضافة لبعض المشاكل الفنية، تؤدي إلى إنتاج بعض المنتجات المختلفة عن طلبات العميل من ناحية الوزن أو المواصفات الفنية، أو إنتاج منتجات لا يحتاجها أحد من العملاء. يتم بيع هذه المنتجات بسعر أقل من السعر العادي نظرا لأنها غير مطلوبة، ولكن بعض هذه المنتجات قد يتم بيعها يوما ما كمنتج درجة أولى إذا طلبها أحد العملاء، ولذلك فإن المنتجات من هذا النوع والتي تبدو مواصفاتها قابلة للبيع بالسعر العادي يوما ما فإنه يتم الاحتفاظ بها ولا يتم بيعها بسعر منخفض، مما ترتب عليه الاحتفاظ بكميات كبيرة لعدة أشهر. ومن الطبيعي، بل ويبدو أنه أمرٌ محمود، أن يحرص فريق العمل على عدم بيع ما يمكن بيعه بالسعر العادي بسعر منخفض.
وفي يوم من الأيام تناقش صاحبنا ورفاقه في هذا الأمر، وحاولوا تقييم هذا القرار تقييما كميا، وحاولوا تحديد المدة الزمنية التي يفضل بعدها بيع المنتج بسعر منخفض. ونفترض أن سعر البيع لوحدة المنتج هو 400 ريال وأن السعر المخفَّض هو 385 ريال. وقد درس فريق العمل هذه المسألة بطريقة مبسطة كما يلي:
الحالة الأولى: بيع المنتج بعد إنتاجه مباشرة بسعر 385 ريال وهذا يعني خسارة 15 ريال
الحالة الثانية: إبقاء المنتج لفترة زمنية لكي يباع بالسعر العادي وهذه الحالة تتفرع لحالات كثيرة حسب وقت البيع:
بيع المنتج بعد شهر واحد بالسعر العادي: ينتج عن ذلك عدم خسارة فرق السعرين ولكن هناك تكلفة التخزين لمدة شهر
بيع المنتج بعد شهرين بالسعر العادي: ينتج عن ذلك عدم خسارة فرق السعرين ولكن هناك تكلفة التخزين لمدة شهرين
بيع المنتج بعد ثلاثة أشهر بالسعر العادي: ينتج عن ذلك عدم خسارة فرق السعرين ولكن هناك تكلفة التخزين لمدة ثلاثة أشهر
وهناك حالات أخرى وهي إبقاء المنتج ثم عدم التمكن من بيعه بالسعر العادي فيتم بيعه بتخفيض بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة وفي هذه الحالة نخسر فرق السعرين بالإضافة إلى تكلفة حفظ المنتج لتلك المدة.
وبالتالي كان لزاما تقدير تكلفة التخزين. ما هي تكلفة التخزين؟ ماذا ندفع لكي نحتفظ بالمنتج عدة أشهر؟ قد يظن البعض أن التكلفة صفرا لأننا لا ندفع شيئا مقابل التخزين، وهذا خطأ بيِّن لأن التكلفة لا تعني بالضرورة أننا ندفع نقدا مقابل التخزين. ومثال ذلك أن يكون لديك موقف خاص بسيارتك فتترك فيه سيارة قديمة لمدة سنة لأنك تريد أن تبيعها بسعر لا يقل عن رقم ما. هل تكلفة احتفاظك بالسيارة هي صفر؟ كلا. لقد تكبدت تكلفة كبيرة دون أن تشعر. أولا: لو أنك بعت السيارة منذ عام ثم استثمرت ثمنها أو وضعته في أحد البنوك لكنت حصلت على ربح يقارب 10% من ثمن السيارة، ولكنك لم تبعها فخسرت هذه الـ 10%، فلو بعتها منذ عام بعشرين ألف ريال لكان معك الآن اثنان وعشرون ريالا، فلو بعتها بعد عام بواحد وعشرون ألف ريال تكون قد خسرت ألف ريال. ثانيا: إن تخزينك للسيارة في موقفك الخاص يبدو كما لو كان بالمجان، ولكنك لو بعتَ السيارة منذ عام لكان بإمكانك تأجير المكان مقابل أجر شهري، أو على أقل تقدير لكان المكان متسعا. ثالثا: ألم تبذل مجهودا للحفاظ على السيارة؟ بالطبع لابد أنك قمتَ أو طلبتَ من أحد أن يقوم بتنظيفها وتغيير الزيت وربما تشغيلها كل أسبوع…أليست هذه تكلفة؟ رابعا: ألم يتلف أي شيء في السيارة بعد عام؟ بالطبع، فعلى أقل تقدير فقدت عام من عمر الإطارات وربما أصاب الصدأ أجزاء من السيارة وربما تلفت مُشعِلات المحرك نتيجة قلة التشغيل. خامسا: نظرا لاحتفاظك بالسيارة فإنك قد دفعت ضريبة السيارة في ذلك العام وكذلك التأمين.
والأمر مشابه تماما في الأسواق التجارية والمصانع، فهناك تكلفة عدم استثمار قيمة المخزون، وهناك تكلفة المكان الذي يتم التخزين فيه، وهناك تكلفة تلف بعض المخزون، وهناك تكلفة انتهاء صلاحية أو إمكانية استخدام بعض المخزون، وهناك تكلفة الحفاظ على المخزون من تسجيل وتنظيف ونقل من مكان لآخر و ربما كانت هناك تكلفة تبريد أو تسخين، وأخيرا فقد تكون هناك تكلفة تأمين على المخزون. ولا يعني توفر مخزن واسع أننا نخزِّن بالمجان، فلو أمكننا تقليل المخزون لأمكننا استغلال جزء من المخزن لإنشاء مصنع أو محل تجاري أو ربما بعنا الأرض نهائيا. قلو كان متوسط المخزون لدينا مليون ريال فإننا نخسر عدم استثمار مليون ريال والذي ربما كان ربحه أكبر من 10% أي أننا نخسر على الأقل مائة ألف ريال. أضف لذلك تكلفة الأرض وتكلفة تلف نسبة، ولو ضئيلة، من المخزون وكذلك تكلفة العامل الذي يعتني بهذا المخزون الكبير وأي مصاريف إضافية مثل أدوات النقل والتنظيف. هذه التكلفة تكون عادة ما بين 20% إلى 30% من قيمة المخزون. أما التكلفة الرأسمالية متمثلة في عدم استثمار قيمة المخزون طوال مدة تخزينه فهي عادة تشكل الجزء الأكبر وهي لن تقل عن فائدة البنوك المعتادة بل هي عادة أكبر من ذلك لأن معدل العائد الداخلي للمؤسسة سيكون أكبر من عائد البنوك، فلو استثمرت الشركة نفسها قيمة المخزون فلابد أن تحصل على ما يزيد عن فائدة البنك وإلا لكانت الشركة تخسر. ولذلك فهذه التكلفة الرأسمالية قد لا تقل عن 15%. وأما تكلفة المخزن وخدمة المخزون والفاقد في المخزون فهي تمثل باقي تكلفة حفظ المخزون وهي تختلف حسب المساحة المطلوبة للتخزين وحسب طبيعة المخزون وإمكانية تلفها بسرعة.
ونعود لصاحبنا ورفاقه، فقد قدروا أن تكلفة التخزين لن تقل عن 25% من قيمة المخزون لأن عائد البنك يتجاوز 10% وبالتالي فالعائد الداخلي لاستثمارات المصنع سيكون أكبر من ذلك، كما أن المخزون فعلا يتعرض للتلف بنسبة حوالي 31%، علاوة على مصاريف نقل المخزن وما يسببه الاحتفاظ به من ازدحام المخزن وهو ما يؤدي لعمليات تحريك كثيرة للمنتجات لأنها تخزن فوق بعضها البعض بشكل رأسي. وبالتالي فإن كلفة تخزين وحدة واحدة من المنتج لمدة سنة هي 400 * 25%= 100 ريالا. فلو احتفظنا بالمخزون لمدة عام ثم بعناه نكون قد خسرنا 100 ريالا، ولو احتفظنا به لمدة عامين نكون قد خسرنا 200 ريالا، ولو احتفظنا به لمدة ثلاثة أعوام نكون قد خسرنا 300 ريالا. ونظرا لأن المنتج قد يتم الاحتفاظ به لشهر أو اثنين فقد قدَّر فريق العمل تكلفة التخزين لمدة شهر واحد بـ 100 ÷ 12= 8.3 ريال.
ونظرا لأن فرق السعر هو 15 ريالا فإننا لو احتفظنا بالمنتج لمدة شهر ثم بعناه بالسعر العادي فإننا نوفر 15 ريالا ونخسر 8.3 ريالا،أي أننا نربح في هذه الحالة 6.7 ريال، ولكن لو بعنا المنتج بعد شهرين لخسرنا 16.4 ريال بدلا من 15 ريال. أي أن بيع المنتج بعد أكثر من شهرين يعتبر أسوأ من بيعه بعد الإنتاج مباشرة بالسعر المنخفض. ولكننا غير متأكدين من أن المنتج سيباع بعد شهرين وفي هذه الحالة لو بعناه بالسعر المنخفض سنخسر 15 ريال + 16.4 ريال= 31.4 ريال، ولنفترض أن احتمالية بيعه بعد شهرين هي 50% وبالتالي فإن احتمالية اضطرارنا لبيعه بعد شهرين بالسعر المنخفض تساوي 50%، وباستخدام شجرة القرار نحسب الربح (الخسارة) المتوقع كالآتي:
0.5 * 6.7 – 0.5 * 31.4 = – 12.4 ريال أي أننا نخسر 12.4 ريال.
وبناء عليه توصل فريق العمل إلى أن فكرة الاحتفاظ بهذه المنتجات لكي تباع بالسعر العادي هو قرار خاطئ في الوضع الحالي. ومن الواضح أنه لو كان فرق السعر أكبر من ذلك بكثير لاختلفت الحسابات.
ولكن فريق العمل قرر أن يتم الاحتفاظ بالمنتجات المصنفة كمنتجات مطلوبة باستمرار فهذه يتم طلبها شهريا وبالتالي فالاحتمالية الأكبر أن تباع خلال أقل من شهر كمنتج درجة أولى أي بالسعر العادي. أما غير ذلك من المنتجات فيتاح للبيع بسعر منخفض لأن احتمالية بيعه في خلال أيام أو أسابيع قليلة جدا لأنه ليس من الأصناف المطلوبة باستمرار. وبهذا استطاع فريق العمل اتخاذ قرار مبني على معلومات وحسابات بسيطة بل واكتشفوا أن تصورهم السابق بأن الاحتفاظ بالمخزون لكي يباع بالسعر العادي كان قرارا خاطئا. ومازال على صاحبنا ورفاقه اتخاذ قرار يشأن منتجات لا يتم بيعها بعد عدة أشهر من تخفيض السعر، هل يتم تخفيض السعر بنسبة أكبر ومتى يتم التخفيض؟
تكلفة الاحتفاظ بالمخزون يجهلها البعض، ولا يلقي لها بالا كثيرٌ من المديرين، ويتجنب حسابه تقريبا من تبقى من المديرين. لماذا؟ لأن حسابها بدقة قد يكون صعبا، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله أي أنك ربما لن تستطيع حساب التكلفة بدقة شديدة ولكن ربما أمكنك حسابها بمجهود بسيط كما فعل صاحبنا ورفاقه بنسبة خطأ لا تزيد عن 15 أو 20% وهذا يكفي لاتخاذ قرارات سليمة بدلا من اتخاذ القرارات باعتبار أن تكلفة التخزين هي صفر. ولذلك تجد في عالمنا العربي من يقول لك: لن أبيع هذه السلعة بأقل من كذا ولو احتفظت بها عشر سنين، وتجد من يقول لك إن السلعة لا تأكل ولا تشرب، وتجد من يشتري المواد الخامات بكميات كبيرة تكفيه لعدة أشهر ويبرر ذلك بأنه يحصل على تخفيض مقابل الشراء بكمية كبيرة، ولكنه لا يقارن بين التخفيض وبين تكلفة التخزين. فلو كان التخفيض أقل من 10% مثلا فإنه من شبه المؤكد أن هذه عملة خاسرة لأن تكلفة التخزين لا يمكن أن تكون أقل من 15%. فلابد أن ينتبه المديرون لتكلفة التخزين وأن يأخذوا هذه التكلفة في اعتبارهم عند اتخاذ قرارات الشراء والإنتاج والبيع.
ويعتقد بعض المديرين أن المخزون الكثير هو أمرٌ محمود وذلك لأنهم لا ينظرون إطلاقا لتكلفة الاحتفاظ بالمخزون ولكنهم ينظرون إلى فوائد المخزون، فالمخزون الكثير من المواد الخام يساعد على تجنب أي مشاكل في التوريدات مستقبلا، والمخزون الكبير من المنتجات نصف المصنعة يساعد على تجنب تعطل مرحلة إنتاج عند توقف المرحلة السابقة والمخزون الكبير من المنتج النهائي يتيح لنا اغتنام الفرص حتى ولو كان خط الإنتاج متوقفا. وهؤلاء بالإضافة إلى إهمالهم لتكلفة التخزين لم يلتفتوا لعدة أمور: أولا أن عليهم تحسين عملياتهم وجعل المعدات بحالة جيدة دائما وتدريب العاملين على الإنتاج بجودة عالية، ثانيا أنهم لو أرادوا الاحتفاظ بمخزون لمواجهة أي مشكلة فإن عليهم أن يحتفظوا بمخزون يصل إلى أرقام خيالية، ثالثا أن لكل مشكلة احتمالية حدوث فلا يصح أن نحتفظ بمخزون لمواجهة حدث احتمالية حدوثه 0.001% ولكن من المنطقي أن نحتفظ بمخزون لكي نواجه حدثا احتمالية حدوثه 50%، فيجب أن نزن الأمر باستخدام الاحتمالات. فلا يمكن أن يشتري التاجر ما قيمته مليون دولار لأن هناك احتمال ضعيف يقارب 20% أن يبعه بـ نسبة ربح 30%، ولكن إذا لم يتمكن من البيع فسيخسر 20% من قيمته. في هذه الحالة يمكن استخدام شجرة القرار فيكون العائد المتوقع = 30% * 300,000 – 70% * 200,000 = -50,000 دولار أي أن المحصلة المتوقعة هي خسارة 50,000 دولار. وربما نحتاج لمقالة أخرى حول تكلفة المخزون.
موضوعات ذات صلة:
حجم الطلبية الاقتصادي عند وجود تخفيض للكميات الكبيرة
يوميات مدير 18: دائرة الأنانية
يوميات مدير -17: تنويع الإنتاج
يوميات مدير – 16: التخطيط والرقابة على الإنتاج
يوميات مدير 20: مبادئ التحسين المستمر Kaizen
(دراسة قرار بيع المنتج بتخفيض في السعر)..
هذا موضوع هام وحساس جداً، وجاء في وقته ولو تأخر قليلاً.. وأشكرك جزيل الشكر عليه..
فنحن لدينا كميات هائلة من حديد التسليح فشلت إدارة التسويق في بيعها، نظراً للوائح والضوابط التي تقيد الموظفين، إضافة إلى أن الموظفين أنفسهم لا يملكون الكفاءة اللازمة، حيث أنهم غير متخصصين ولا علاقة لمؤهلاتهم بمجال التسويق..
الذي حدث أن تجاراً قاموا باستيراد كميات من حديد التسليح وباعوه بأقل من سعر البيع لدى شركتنا -فارق بسيط جداً- لا يتجاوز 5% على أقصى تقدير، وركد الانتاج عندنا دون أن يقوم المسؤولين بتعديل السعر، رغم أنهم عدلوه فيما بعد ولكن بعد فوات الأوان..
الآن لدينا منتجات مكدسة منذ عدة سنوات، وهي مخزنة في أرض سبخية -ملحية- تزيد من معدل التآكل والصدأ للمنتجات، بحيث أنها لم يعد في الإمكان تصنيفها حتى من الدرجة الثانية، والشركة لا زالت متمسكة بلوائحها لأنها قطاع عام، ولا يهتم المسؤولين فيها ما إذا كانت الشركة رابحة أم خاسرة فهم لن يدفعوا من جيوبهم..
في رأيي أنهم لو باعوا الانتاج بسعر التكلفة لكانت الشركة رابحة جداً جداً..
القضية الأخرى المتعلقة بهذا الشأن، أن الشركة بدل أن تنتهج سياسة التخزين الصفري، أي الانتاج حسب الطلب ولا حاجة لوجود تخزين، قامت بعكس ذلك، حيث رصدت الملايين لإنشاء ساحات تخزين أخرى وتزويدها بالروافع وإنشاء مباني مكملة، كل هذا في نظري سفاهة في الإنفاق، والمفروض أن تتغير سياسة الشركة التسويقية والتسعيرية، بحيث يتم البيع للوكلاء فقط، بدل البيع الفردي للأشخاص والهيئات وغيرها..
فما رأيك في هذا؟؟..