وقد قاربت الرحلة على الانتهاء فإننا نعود لمتحف تويوتا لنتعرف على ما تقوله تويوتا عن نظامها الإنتاجي.
كتاب تويوتا من متحف تويوتا
أثناء تجولي في متحف تويوتا وجدت كتابا معروضا عن نظام تويوتا الإنتاجي وهو كتاب خاص بتويوتا أي أنه كما لو كان مادة تدريبية للعاملين بتويوتا ولذلك فهو شيء ثمين. كان تاريخ الطباعة حسبما أذكر في التسعينيات. دعنا نتوقف مع صفحات ذلك الكتاب.
التنميط أو أسلوب لعمل القياسي Standardization – أساس التحسينات Kaizen:
أسلوب العمل القياسي هو وسيلة للحفاظ على الإنتاجية والجودة والسلامة في أعلى مستوياتها بصفة مستمرة. فهو يوفر الإطار الذي نؤدي به العمل بالمعدل التصميمي Takt Time وإضاءة الطريق لتحسينات جديدة في أسلوب العمل. نحن – أي تويوتا- نستخدم ثلاثة عناصر لبناء أسلوب العمل القياسي:
- معدل الإنتاج Takt time أي إنتاج قطعة كل كذا ثانية. ومعدل الإنتاج هذا يتم حسابه بناء على معدل طلب السوق فعلى المصنع أن يُنتج حسب معدل الطلب
- تسلسل العمليات وهو التسلسل الذي نجده أمثل لأداء العمل.
- الحجم القياسي للمخزون داخل العملية Standard in-process stock وهو الحد الأدنى من القطع الذي يجب أن نحتفظ به لكي نحافظ على سلاسة العملية الإنتاجية
يحتوي أسلوب العمل القياسي على خطوات تفصيلية لأداء العمل خطوة خطوة. يقوم المشرف على الفريق بوضع أسلوب العمل القياسي أي الأمثل، ثم يقوم مع فريقه بعمل تحسينات Kaizen في أسلوب العمل وبناء على هذه التحسينات يتم تعديل أسلوب العمل القياسي. ويتم وضع أسلوب العمل القياسي في لوحة أامام العامل في موقع العمل.
تعليق: لاحظ التركيز على أن أسلوب العمل القياسي هو الأساس للتحسينات، فبدون أن نتفق على أسلوب عمل لا يمكننا تحسينه. أسلوب العمل القياسي غير متوفر أو غير مُتَبَع في كثير من مؤسساتنا بل ستجد مديرين لا يؤمنون به، وعاملين يرفضونه.
من الواضح أن المخزون داخل العملية هو بالنسبة لتويوتا ضرورة تُقدَّر بقدرها، وقدرها هو الحد الأدنى الذي يُحافظ على العملية الإنتاجية مستمرة. وكما ذكرت في مقالات أخرى فإنهم يعملون جاهدين على جعل خط الإنتاج مستقرا، ويقومون بتشكيل فرق لحل المشاكل، وبالتالي فهم يحتاجون القليل جدا من المخزون داخل العمليات. وتقليل المخزون داخل العمليات يُساعد على إظهار المشاكل ومن ثَمَّ حلها، فعندما يكون لديك مخزون هائل بين مراحل الإنتاج فإن وجود مشكلة في مرحلة لن يِؤثر على أي مرحلة أخرى وبالتالي فلن تظهر المشكة ولن تلقى الاهتمام المطلوب. كذلك فإن الاهتمام بتساوي معدل الإنتاج مع معدل الطلب هو جزء أصيل من أسلوب العمل القياسي.
التحسين المستمر Kaizen: هو شريان الحياة لأسلوب العمل القياسي
فلسفة الكايزن أي البحث عن الأفضل توَفِّر الديناميكية للتحسين المستمر وتوفر الحافز القوي للعاملين لكي يشاركوا في تصميم وإدارة أعمالهم. هذه التحسينات المستمرة تتسبب في زيادة الإنتاجية في كل موقع. نظرا لأن أسلوب العمل القياسي يعني القيام بنفس الخطوات بنفس التسلسل مرارا وتكرارا فإن أي مشكلة متأصلة في أسلوب العمل هذا ستظهر بوضوح وستكرر، ويساعد هذا مشرف الفريق وأفراد الفريق على تحديد المشاكل ثم حلها فورا.
تشمل أعمال التحسين المستمر (كايزن) تحسينا في المعدات وتحسينا في أسلوب العمل. التحسين في أسلوب العمل يكون عادة أسهل وأسرع وأقل تكلفة. ولذلك فنحن نبدأ بمحاولة تحسين أسلوب العمل عند حل المشاكل. ثم إن بدا أن تحسين أسلوب العمل وحده غير كافٍ فإننا نأخذ في الاعتبار الحلول المتاحة لتحسين الماكينة.
تعليق: استوقفني العنوان حيث ينصُّ على أن التحسين المستمر هو شريان الحياة لأسلوب العمل القياسي، فأسلوب العمل القياسي بلا تحسين مستمر يكون ميتا، وأما بالتحسين المستمر فإنه يكون حيا يتفاعل مع المتغيرات ويتحسن دائما. وفيما أعتقد فإن التحسين المستمر يجعل العامل (مهما كان منصبه) نشيطا مُتَحفِّزا ، والعكس فإن العامل إذا قرر ألا يحاول تحسين عمله فإن عمله بعد فترة قصيرة يُصبح مُمِلا ويكون ذهابه للعمل كذهاب التلميذ الفاشل للمدرسة. وكان التنبيه على البدء بتحسين أسلوب العمل ملفتا للنظر فهو أمر أساسي. وقارن بين ذلك وبين الأسلوب التقليدي حيث يُمثل التحسين تغيير الماكينة لا تحسين أسلوب العمل و لا تحسين الماكينة. ابدأ دائما بمحاولة تغيير أسلوب العمل لحل المشاكل وزيادة الإنتاجية أو تحسين الخدمة، وأن لم تستطع فانظر في تحسين الأدوات أو الماكينات (تحسين وليس تغيير أو استبدال). وأخيرا فإن الكتاب بيَّن كيف أن أسلوب العمل القياسي يساعد على التحسين المستمر نظرا لتكرر نفس المشاكل، بعكس أسلوب العمل العشوائي حيث تحدث مشاكل متنوعة مع أساليب العمل المتنوعة وبالتالي لا يمكن تحسين أسلوب العمل لتجنبها، ونظل بين الحين والآخر نواجه مشاكل مختلفة ويُصبح الأداء متغيرا بصفة مستمرة.
القيام بكل شيء من أجل العميل
يرغب العميل في الحصول على أفضل المنتجات بأقل سعر ممكن وفي أقل وقت ممكن. يعمل نظام تويوتا الإنتاجي على تحقيق ذلك بربط الإنتاج باحتياجات السوق. وإن ترتيب مراحل الإنتاج بحيث يتدفق الإنتاج بسلاسة لهُوَ من أحد الأمور الجوهرية في نظام تويوتا الإنتاجي. كل مرحلة إنتاجية تنظم المنتجات نصف المصنعة للمرحلة التالية لتسحب منها عند الحاجة، وكل مرحلة إنتاجية تسحب منتجات نصف مصنعة من المرحلة السابقة لكي تُعوِّضَ منتجات تم سحبها عن طريق المرحلة التالية لها، وكل مرحلة تُنتج منتجات إضافية فقط لكي تحل محل تلك التي تم سحبها عن طريق المرحلة التالية.
والحلقة الأخيرة في السلسلة هو تاجر السيارات الذي يبيع السيارات للعميل، وخط التجميع – الذي هو آخر مراحل الإنتاج – يُنتج السيارات التي يطلبها التجَّار. وأما الموردون فإن عليهم توريد الأصناف المطلوبة بالكميات المطلوبة لتلبية تلك الطلبات. وهذا هو المقصود بالإنتاج الآني Just-Im-Time: إنتاج ما هو مطلوب، في الوقت المطلوب وبالكمية المطلوبة فقط. والتصنيع الآني يجعلنا نتخلص من أنواع كثيرة من الفواقد حيث لا تكون هناك حاجة لتخزين كميات كبيرة وهو ما يقلل تكلفة التمويل والتخزين، كما تقلل من خسائر المخزون التي تحدث عند تغير المواصفات التي يطلبها العملاء، كما تقلل من الخسائر الناتجة عن مرور منتجات معيبة من مرحلة لأخرى داخل دفعات الإنتاج الكبيرة.
والتصنيع الآني يتطلب مجهودا كبيرا لكي يتم تطبيقه بنجاح. ومن الأمور التي يتعلمها العاملون عند تطبيقه:
- الإنتاج المتساوي Leveled Production من حيث النوع والكم، فينبغي تنويع الإنتاج من حيث النوعية خلال اليوم والأسبوع بحيث يكون الجهد متساويا في كل يوم ويتم استغلال الموارد بالشكل الأمثل.
- نظام السحب Pull System بحيث يتم ربط كل مرحلة السابقة والتالية ربطا حيويا
- الإنتاج المستمر التدفق Continuous-Flow Processing أي الإنتاج بدفعات صغيرة تصل إلى الوحدة
- معدل الإنتاج Takt Time ضبط معدل إنتاج كل العمليات بمعدل الطلب وهو Takt Time
تعليق: هذا اختصار لمنظومة سريان الإنتاج بحيث تعمل مل مرحلة بناء على ما تطلبه المرحلة التالية وتعمل الأخيرة بناء على طلبات العميل. أحيانا يتصور البعض أن الإنتاج الآني هو ما ساوي للتصنيع عند طلب العميل ولكن الأمر ليس كذلك فإن تويوتا قد تحتفظ ببعض الإنتاج وتُنتج قبل أن يكون هناك طلب رسمي وذلك من أجل تسوية الإنتاج. والمنظومة ليست مجرد أن نقرر التخلص من المخزون ولكن نظام تويوتا هو نظام يساعد على الوصول لتلك الغاية من خلال أشياء كثيرة منها ما هو مدون في آخر تلك الصفحة مثل تسوية الإنتاج وسحبه والإنتاج بدفعات صغيرة أو قطعة واحدة One Peiece Flow والمحافظة على معدل الإنتاج Takt Time.
تسوية الإنتاج Leveled Production: لن تكون سعيدا بدونها
الإنتاج الآني Just In Time قد يساعد الشركات على تحقيق مكاسب هائلة في الإنتاجية والجودة، ولكن تطبيقه مستحيلا بدون تطبيق تسوية الإنتاج Production Leveling. وتعمل تسوية الإنتاج في تويوتا كالتالي:
يقوم تجار السيارات بإمداد تويوتا كل شهر بالمبيعات المتوقعة كما ونوعا، وتقوم تويوتا بنقل تلك المعلومات لمصانعها ومورديها لإعطائهم فكرة عامة عن خطة الإنتاج المتوقعة. يقوم تجار السيارات كل عشرة أيام عن الطلبات الفعلية التي لديهم وبناء عليه تقوم المصانع والموردين بوضع خطة يومية تفصيلية للإنتاج. يقوم الموردون كل يوم بإبلاغ تويوتا بالطلبات الفعلية، ويُمكن لتويوتا تعديل خطة الإنتاج لتغيير بعض المواصفات قبل ذلك اليوم بثلاثة أيام كحد أدنى. وبناء على كل ذلك يتم تحديد خطة الإنتاج والتي يراعى فيها توزيع إنتاج النوعيات المختلفة على اليوم كله.
عندما تزور موقع تويوتا فإنك ترى نوعيات مختلفة من السيارات تُنتج على خط التجميع في نفس الوقت. نحن نقوم بتوزيع إنتاج كل نوع من الشاسيه (جسم السيارة) على مدار اليوم. نحن نفعل ذلك للوصول إلى استخدام كفء للموارد: الناس والآلات. على سبيل المثال: قد يمكننا أن نستغرق كل الصباح في إنتاج نوع واحد، كل الظهيرة في إنتاج نوع آخر، والمساء في إنتاج نوع ثالث. قد يبدو ذلك كفئا لأنه يمكننا من الإنتاج بدفعات كبيرة دون الحاجة لتغيير الدهانات ولا الأدوات ولا الإسطمبات (القوالب). ولكن هذا سيجعل نمط الإنتاج مختلفا عن نمط البيع في السوق. والأسوأ أنه سيفرض عبئا غير متوازن على فريق في مرحلة سابقة. بعض الفرق لن تكون مشغولة في وقت ما بينما الأخرى مُحَمَلة، وهذا سيكون أسلوبا غير كفء لتشغيل مواردنا. ولهذا نقوم بتوزيع الإنتاج بشكل متساوِ على خط التجميع، وهذا يُمَكِّنُ مُوردينا من توزيع الإنتاج بشكل متساو في عملياتهم التصنيعية. وهذا يُمَكِّننا جميعا من تحقيق المطلوب بأقل عمالة ومُعَدَّات.
الشكل أعلاه هو صورة من ذلك الكتاب وهي تتكون من شكلين أولهما لإنتاج بدفعة كبيرة وآخرهما للإنتاج بدفعات صغيرة متنوعة. كما تلاحظ فإن A في أول شكل يعمل بجد بينما B و C لا يجدان شيئا يشغلهما، وبالطبع في الظهيرة سيتغير الحال وفي المساء كذلك. أما في الشكل الآخر فإن الطلب موزع على كل المراحل A و B و C وبالتالي فإن كلا منهم يعمل بمجهود طبيعي طوال الوقت.
تعليق: ربما علَّق أحدٌ على الشكل السابق قائلا ولماذا لا يعمل B و C في الوقت نفسه مع A؟ نعم هذا ممكن ولكننا في هذه الحالة علينا توفير مكان لتخزين تلك الكميات التي سننتجها صباحا لنستخدمها مساء، كما وأننا لم نحل المشكلة فهذه العمالة ستظل بلا عمل باقي اليوم. والأمر أصعب من ذلك لأن A يستلزم من الموردين إرسال نوعيات محددة من قطع الغيار، ولا يمكن لأي مورد أن يقوم بتوريد كميات كبيرة من نفس النوع بسرعة إلا أن يكون لديه كخزونا كبيرا، وإذا قام المورد بتخزين كميات كبيرة فإن هذه التكلفة سنتحملها نحن وسننقلها في النهاية للعميل وبالتالي فإن هذا لا يُعتبر إنتاجا آنيا خاليا من الفاقد فنحن نقلنا الفاقد للمورد وفي النهاية دفع ثمنه العميل. ربما تكون عملياتك عكس هذا النظام فتكون هناك مرحلة واحدة تُغذِي مراحل متنوعة. في هذه الحالة عليك أن تنتج نوعيات مختلفة في المرحلة الأولى لتُبقي المراحل الأخرى تعمل بشكل متوازن طوال اليوم.
تسوية الإنتاج هي أمرٌ مهم وعدم تطبيقه يتسبب في طول فترات التوريد. تسوية الإنتاج تستلزم البحث عن أسلوب يجعل تنفيذه غير مُكلِّف أي أن يكون التغيير من منتج لآخر لا يستغرق وقتا، وهذا هو ما يُعرف بتقليل وقت التغيير من منتج لآخر وهو أحد الأمور التي قامت بها تويوتا. وأخيرا فإن العنوان: تسوية الإنتاج: لن تستطيع سعيدا بدونه، لهو عنوان يلمس الحقيقة فإنك إن استطعت تطبيق ذلك الأسلوب فستكتشف أن الإنتاج أصبح يتم بسلاسة عن ذي قبل، والأمور أصبحت واضحة ومُنظَّمة.
وتستمر الرحلة إن شاء الله مع هذا الكتاب الثمين لنسمع صوت تويوتا وهي تشرح نظامها لعامليها.
موضوعات ذات صلة:
يوميات اليابان: الوصول- جذور نظام تويوتا
يوميات اليابان: اليوم الأول – تقليل الفاقد كأسلوب حياة
يوميات اليابان: اليوم الثاني – مصنع متحدي الإعاقة
يوميات اليابان: اليوم الثالث – زيارة مصنع تويوتا
يوميات اليابان: اليوم الرابع – سرعة الاستجابة
يوميات اليابان: اليوم الخامس – زيارة ياماها
الف يعطيك العافية
شكرا يا مهندس سامح انا اتابع باستمرار ما ينشر ومعجب بهذه الصفحة واستفيد منها تماما مع تحياتي
الأستاذ محمد
جميل أنك مازلت متابعا لهذا الموقع.
شكرا
السلام عليكم
شكرا جزيلا باش مهندس سامح على هدا المجهود الرائع في توصيل المعلومة نسئل الله ان تكون في ميزان حسناتك