لجنة الامتحانات … بيت الرمال
جلس الطالب المتفوق في لجنة الامتحان وبدأ في الإجابة عن الأسئلة ومر عليه المراقب فسأله إن كانت الأسئلة مفهومة فبدأ الطالب في مناقشة أحد الأسئلة عارضا وجهة نظره التي أبهرت المدرس… ثم انصرف المدرس وجلس الطالب يفكر في ذلك السؤال وأبعاده المختلفة… وعندما مر بسؤال آخر جلس يفكر في فكرة ابتكارية ورسمها على ورقة الإجابة وجلس يطور فيها. انتهى الوقت ولم يجب الطالب إلا عن سؤالين من ستة أسئلة. رسب الطالب وذهب واعترض لدى مدرس المادة دون جدوى فلم تكن مناقشته مع المدرس ولا رسمه لابتكاره شيئا يتم احتسابه في درجات الامتحان.
هكذا.. ننسى نحن أننا في لجنة امتحان… وننسى في أعمالنا التي تستغرق معظم وقتنا أن كثيرا منها لن يتم حسابه… بدون نية طيبة لن ننال جزاء أعمالنا ولن يكون لها قيمة.. هذه الأعمال مهما بدت عظيمة فهي تافهة ما لم تكن بنية طيبة.. فقدرتك على تحقيق رقم قياسي في المبيعات أو رقم قياسي في الإنتاج أو بناء ماكينة معقدة هو بمثابة البيت الذي بنيته وأنت طفل من الرمال على شاطئ البحر .. فلا أنت تهتم به الآن ولا هو بقي .. وكذلك مؤسستك ومصنعك وكل المباني الشاهقة.. ستكون في النهاية مثل بيت الرمال يبنيه الأطفال على شاطئ البحر.
تصحيح النية مطلوب .. وإعادة التصحيح مطلوب … نية الإخلاص في العمل.. نية الأمانة. نية اكتساب الرزق الحلال .. نية تنمية الآخرين..
بيت الرمال قد انهار ولم يبق له أثر وكذلك كل ما نبنيه.. فابحث عن بناء شيء يبقى.
عَمَلٌ بلا كايزن
ما هي سمات العمل بدون ثقافة التحسين المستمر (الكايزن وهو قيام الهاملين بتحسينات صغيرة بشكل مستمر في كل أنحاء المؤسسة) ؟ :
– لدينا طاقات ذهنية معطلة
– الطاقات الذهنية تضمر نتيجة تعطيلها فعندما تطلب أفكارا جديدة وحلول لمشكلة لن تجد فالعاملين أصبحوا مجرد منفذين
– لدينا معدات أو أدوات لم نستغلها للطاقة القصوى لأننا لم نعمل على تحسينها وتحسين طريقة العمل
– لدينا أصول سواء معدات أو أدوات أو مباني تتهالك فنحن لم نجعل كل العاملين يجتهدون في العناية بها من خلال ثقافة التاءات الخمس 5S
– لدينا مشاكل مزمنة في العمل أو السلامة أو البيئة
– تطوير العمل يتم بشراء معدات جديدة وإصلاح المباني باستثمارات عالية
– الاستثمارات يتم تبريرها حسابيا بشكل رائع متجاهلين الفرصة البديلة في التحسين المستمر
– العمل يتم من خلال تعليمات
– العاملون يتهمون بعدم الحرص على مصلحة العمل
– عمالة غير متحفزة
– بيئة عمل غير مبهجة
التحسين المستمر يعني أنك تفهم أن العامل هو إنسان له قدرة على التفكير والإبداع في إطار عمله .. وأنت تتيح له فرصة التفكير وتجربة أفكار جديدة … وهذا يجعله سعيدا ومقبلا على العمل .. ويجعلنا نستغل طاقاته … ويجعل قدرته على الإبداع تزداد .. ويجعلنا نحافظ على أصول المؤسسة ونحسن الاستفادة منها بأقل تكلفة.. ويحعل حاجتنا لاستبدال المعدات والأدوات تقل كثيرا… ويجعل بيئة العمل مبهجة… الكل مستفيد.
——————————————————–
يجب أن تسمع كلامي….
احترام العاملين هو أساس نظام تويوتا الإنتاجي وبدونه لايمكن أن نطبق ثقافة الكايزن ( التحسين المستمر). احترام العاملين في هذا السياق هو احترام قدراتهم وعقلياتهم أي أن تكون مؤمنا بقدرتهم على التفكير والتحسين. فهو ليس احتراما بالمفهوم التقليدي كأن تظهر الاحترام في الحديث والتعامل، فأنت قد تحترم أناس كثيرين في التعامل ولكنك في داخلك لا تؤمن بقدراتهم الذهنية أصلا.
عندما تكون مقتنعا فعلا بنظام الكايزن ستكون مقتنعا أنك فرد في فريق ولست رئيسا لأفراد وبالتالي يظهر ذلك في كلامك وتعاملك دون أن تتعمد أو تتظاهر فمثلا تقول:
– فعلنا…
– نريد أن نحسن هذا
– لقد خالفت نظام العمل القياسي standard
– فريقنا طور كذا
– فريق العمل هنا متميز
وفي المقابل فإن المدير الذي لا يحترم قدرات العاملين تجده يقول:
– يجب أن تسمع كلامي…
– أنت خالفت تعليماتي
– أنا طورتُ …
– أنا فعلتُ …
احترام العاملين في نظام تويوتا أو الكايزن ليس كلاما ومظاهر ولكنه احترام داخلي يظهر عليك.. والعكس صحيح فإن يقينك الداخلي أنك رئيس ذكي ومعك عمال أو موظفين هم مجرد أدوات سيظهر على كلامك وتعاملك.
حين تسمع المدير يقول يجب أن تسمع كلامي فاعلم أنه لا مكان للتحسين المستمر هناك.
—————————————-
التكلفة … المجموع
سألني صديق عن طرق خفض التكلفة في مؤسسة صناعية فلم أجد ردا… فخفض التكلفة ليس هو الهدف الأمثل لتحقيق ربحية على المدى البعيد، وإنما التحسين المستمر عن طريق كل العاملين صغيرهم وكبيرهم هو الذي يؤدي للنجاح. لماذا؟ ..
– لأن شعار خفض التكلفة قد يجعلنا نتنازل عن مستوى الجودة وقد يجعلنا نتنازل عن علاقات استراتيجية مع موردين أكفاء وقد يجعلنا نخسر أسواقا وقد نخسر موظفين وعمال رائعين… إذا أصبح تفكيرنا كله في خفض التكلفة فسننسى أمورا كثيرة هامة وأهم من التكلفة نفسها.
– ولأن تحقيق الربحية لا يأتي بخفض التكلفة وحدها بل يأتي أيضا من تسريع العمليات… تحسين الجودة. تقليل التوقفات.. تقليل الاستهلاك… المنتجات الجديدة… الأفكار الابتكارية …..
التكلفة وحساباتها أمر مهم ولكن التركيز عليه يؤدي لنسيان أمور أخرى مهمة وأكثر أهمية مثل علاقة القرار بالخطة الاستراتيجية للمؤسسة.. الجودة… العوامل البيئية… سمعة المؤسسة.. قدرة المؤسسة على النجاح على المدى البعيد.
التركيز على التكلفة مثل التركيز على المجموع في المدرسة.. صحيح أن المجنوع الذي سيحصل عليه الطالب مهما ولكن هناك أمور أخرى مهمة مثل أن يتعلم ويمارس رياضة ويكون له أصدقاء ويكون عنده مبادى… الى آخره.
حتى لو كانت استرتيجية المؤسسة أن تكون منتجاتها قليلة التكلفة فهذا سيأتي بالتحسين المستمر وليس بالتركيز على خفض تكلفة كل بند على حدة فقد نتكلف أكثر في بعض الأمور لنصل في النهاية أن تكون منتجاتنا هي الأقل تكلفة في السوق.
النجاح في العمل والاسثمار مثل نجاح الإنسان في حياته…لا يوجد بند واحد فقط يعني النجاح ولكن هناك بنود كثيرة لا يمكن قصرها على التكلفة والمجموع.
____________________________________________________
موضوعات ذات صلة:
اترك تعليقًا