اللغة العربية هي لغة القرآن واللغة التي كان يتحدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى أنها لغتنا. ومن العجيب أن نجد البعض يتبرأ من اللغة العربية ويحاول استعمال العامية أو اللغات الأجنبية. فمثلا قد يحدث أن تتصل تلفونيا بإحدى مدارس اللغات فتجد من يرد من الجانب الآخر قائلا
Good Morning
ما معنى الرد بالإنجليزية بينما كل الطلبة والمدرسين وأولياء الأمور مصريين (أو عرب)؟ الطريف أنك لو حاولت أن ترد بالإنجليزية فقد تفاجأ بأن من ترد عليك بدأت ترتبك لأنها غير مستعدة للتحدث بالإنجليزية. ما معنى أن تحدثني بلغة أجنبية بدون سبب؟ هل هذا دليل على درايتك بهذه اللغة؟ هل هذا دليل على أن هذه المدرسة متميزة؟ هل هناك من يلقي التحية على أهله في المنزل بالإنجليزية؟
أعتقد أن أنسب رد على ذلك أن ترد قائلا:
السلامُ عليكم . هل تتحدثونَ اللغةَ العربية؟
لقد أصبحنا وكأننا نشعر بأن اللغة العربية عارٌ على من يستخدمها، فتجد أصحاب المحلات الفاخرة والمتوسطة يختارون أسماء أجنبية لمحلاتهم. صديق لي كان يقوم بتصميم إعلان عن محل ألعاب الحاسوب وفوجئ بأن شركاءه يريدون أن يكون الإعلان باللغة الإنجليزية فقط، وحين اقترح أن يكون بالعربية كان ردهم “بيئة جدا”!!! هل اللغة العربية هي لغة حُثالة الناس؟ لا بل هي لغة أشراف الناس فهي لغة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وهي لغة القرآن وهي اللغة التي كتب بها علماؤنا وأدباؤنا كتبا رائعة.
منذ عدة سنوات كانت قدرة المحاور في التلفزيون أو المذيع على التحدث بالعربية من الأشياء التي تعطيه قيمة عند الناس. أما الآن فتجد أن بعض المحاورين أو المحاورات يستخدم كلمات أجنبية في أشياء بسيطة لا هي من مصطلحات الطب أو الهندسة وكأن هذا دليل على رفعة منزلته أو منزلتها، ناهيك عن أن باقي الحديث بالعامية. بل وتجد كثير ممن يحاولون التحدث بالعربية يرفعون المفعول وينصبون الفاعل ويجرون بحرف النصب وينصبون بأداة الجزم.
أما عن الاستخدام المفرط للعامية فحدث ولا حرج. منذ عدة سنوات لا تزيد عن العشرة كانت العامية تستخدم في التحدث فقط ولم يكن متصورا أن يكتب شخص بالغ متعلم خطابا بالعامية لشخص بالغ متعلم. أم الآن فإنني أفاجأ باستخدام العامية في كتابة الرسائل الإلكترونية. ومن العجيب أن كثير من مستخدمي المنتديات العربية على الشبكة الدولية يستخدمون العامية المفرطة وكلٌ يكتب بالعامية المستخدمة في بلده، مع أن ما جمعهم في المنتدى هو أنهم يتحدثون بالعربية. سمعت احد الشباب المتخرج من الجامعة يقول أنه أرسل إلى دار الإفتاء المصرية سؤالا وجاءه الرد ولكنه لم يستطع أن يفهم كل ما جاء في الرد لأنه يريد من يرد عليه بالعامية. كذلك فإنني ألاحظ أن كثيرا من –إن لم يكن أكثر – المدونات العربية تكتب بالعامية. بل ووصل ذلك إلى كثير من الجرائد وتجد عنوان الجريدة بالعامية وكأننا لا نستطيع القراءة باللغة العربية. وكنا في الماضي نشاهد أفلام الرسوم المتحركة باللغة العربية وأصبحنا الآن نراها بالعامية مما يعمق ضعف اللغة العربية لدى الأطفال.
من الملاحظ كذلك أن بعض الآباء والأمهات يحاولون الإكثار من التحدث مع أبنائهم باللغة الإنجليزية في المنزل وكأنهم يتوهمون أنهم بذلك خرجوا من طبقة العرب إلى طبقة الأجانب الراقية. وتجد الأب يحاول تعليم ابنه أسماء الأشياء باللغة الإنجليزية ولا يهمه أن يعرف الابن المسمى بالعربية. وكثير من الناس يتصور أن الكلمة الإنجليزية هي أرقى من العربية ومن العامية فمثلا تجد كثير من الناس يستخدم كلمة Shoes للتعبير عن الحذاء على أساس أنها كلمة أرقى وهو واهم فهذه الكلمة تعبر عن نفس الشيء الذي تعبر عنه كلمة “حذاء” في العربية وكلمة “جزمة” في العامية، فالشيء المسمى واحد. كذلك فإن كلمة
Bathroom أو Toilet
لا تعبر عن شيء مختلف أو أفضل مما تعبر عنه كلمة “دورة مياه” أو كلمة “حمَّام”. الفارق هو في ذهن المتحدث الذي يتصور أن الحديث باللغة الأجنبية هو رمز الرقي.
هل فقدنا القدرة على التحدث بالعربية؟ هل نشعر بالخجل حين نتحدث بلغة القرآن؟ هل نحن بدون “لغة أم”؟ كيف يستطيع الشباب أن يقرأ القرآن أو الحديث أو الفقه؟ كيف نستطيع أن نقرأ كتب أدبائنا؟ هل سيقرأ أحفادنا كتب تراثنا مترجمة إلى لهجاتهم العامية؟ كيف سنتواصل مع بعضنا البعض بالمصرية أم اللبنانية أم المغربية أم اليمنية….؟ بل وأي لهجة سنستخدم في البلد الواحد: لهجة الصعيد أم مطروح أم بورسعيد أم القاهرة أم الإسكندرية؟ هل سنتحدث “الفرانكوصينية” أم الصينوعربية” حين تصبح الصين أقوى دولة في العالم؟
هل سمعت عن اعتزاز الآخرين بلغاتهم؟ إن مستواك الاجتماعي في بريطانيا يتأثر بقدرتك على نطق اللغة الإنجليزية بالطريقة الإنجليزية التقليدية. أما في فرنسا وألمانيا فستجد أن أهل البلد لا يحبون أن يتحدثون معك سوى بلغتهم أي الفرنسية أوالألمانية. إننا نفقد الكثير والكثير بانهيار قدرتنا على التحدث بلغتنا اللغة العربية. إن تعلم اللغات الأجنبية له فوائده ولكن ليس معنى ذلك ألا يكون لنا لغة. إن كثير من الأجانب المسلمين يبذلون الجهد لتعلم اللغة العربية ونحن قررنا أن ننسى لغتنا. لا بد أن ننتبه إلى أن تخلفنا العلمي والاقتصادي ليس بسبب عيب في لغتنا بل بسبب عيب فينا. فلا يصح أن نشعر بالعار من لغتنا بل أخشى أن تكون هي تشعر بالعار من انتسابنا إليها.
صفحات أخرى:
أشياء صغيرة تؤدي إلى نتائج كبيرة1
أشياء صغيرة تؤدي إلى نتائج كبيرة-2
قضية الفكر : ضعف القدرة على الإبداع واتخاذ القرارات
للاطلاع على قائمة الموضوعات:
اللغه العربيه لغة القران فالنحافض عليها ***********
أستاذنا سامح
اشكرك على هذه المقالة القوية التي استقطبت حماسي وحماس كل من أقدموا على الرد، وكتابتك وما أثارته من تعليقات تثير هما واحدا مشتركا بين مجموعة من متحدثي هذه اللغة الحبيبة ’لغتنا العربية‘، وهو مؤشر طيب ومبشر بإذن الله، ولكنني أتعجب من حالة الازدواجية لدى بعض المعلقين الذين كتبوا بتفاعل واضح وغيرة شديدة على اللغة العربية وفي ذات الوقت كتبوا أسماءهم ’ العربية‘ بحروف أجنبية، وهذه الازدواجية أصبحت للأسف متجذرة في ثقافتنا المعاصرة، فقد عرض في أحد البرامج الثقافية بإحدى القنوات المتخصصة منذ عدة أعوام حلقة تتحدث عن ذات الهم اللغوي، وكانت حلقة نخبوية استضافت اثنين من خيرة الأكاديميين المشتغلين بأقسام اللغة العربية، والذي حدث خلال الحلقة أن المذيع والأستاذين الفاضلين كانوا يذكرون أداة التعريف العربية مشفوعة بالمصطلح الانجليزي ثم حرف العطف’أو‘ ومن بعده الترجمة العربية للمصطلح، هذا الوضع المهين يعكس خجلا غريبا من اللغة الأم، وهو خجل تابع لأفكار استعمارية مفروضة على بلادنا، هناك الكثير من الحلول والمسببات، ولكن الحل الأقوى في نظري هو تجميع الجهود وتنسيقها، وإذا كنا في هذا الملتقى لا نملك أكثر من أمر أنفسنا، فلنستعن ببعضنا البعض للخروج بحل نسبي، أقترح كبداية التوقيع بكلمات عربية، وأؤيد الاقتراح باستخدام الكلمات العربية، حقا عربية أجمل من كار وفصل أجمل من كلاس وأستاذ أفضل من مستر وقميص أفضل من شيميز، وجزاكم الله خيرا يا أستاذنا سامح أروع كثيرا من ميرسي كتير مسيو سامه.
الأستاذة شيماء
شكرا على تعليقك الثري. والواقع أنني تعبت من كثرة ما يصلني من تعليقات بالعامية وأحيانا أرفش الإجابة عليها وأحيانا أكتب ملاحظة في نهاية الرد على أن التعليقات باللغة العربية أي الفصحى.
وإن انتشار الكتابة باللغة العربية والابتعاد عن الكتابة العامية في المنتديات هو أمر مهم في هذا الصدد.
شكرا