شاركتُ في بداية هذا الشهر في مؤتمر الهندسة الصناعية وإدارة العمليات الثالث Industrial Engineering and Operations Management وهو اختصارا IEOM 2012. وقد عقد المؤتمر في جامعة اسطنبول الفنية Istanbul Technical University باسطنبول. وقد حضره ما قد يزيد عن 300 مشارك، وعُرِض فيه عدد كبير من الأبحاث.
المؤتمر ينظمه دكتور أحاد علي Ahad Ali من جامعة لورنس التقنية Lawrence Technological University بالولايات المتحدة. وقد بدأ دكتور أحاد دراسته في بنجلاديش حيث حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من هناك، ثم حصل على الماجستير من سنغافورة، ثم الدكتوراة من جامعة ويسكنسن الأمريكية. ولدكتور أحاد العديد من المقالات المنشورة في الدوريات العلمية. وفي الحقيقة فإنه يبذل جهدا كبيرا لتنظيم هذا المؤتمر.
مقر عقد المؤتمر هو جامعة اسطنبول الفنية، وقد كان المؤتمر تحديدا في موقع يسمى ماشكا. مما أعجبني في الجامعة الحفاظ على المظهر المعماري القديم من الخارج مع استخدام أحدث تكنولوجيا من الداخل، وهذه مواءمة لطيفة ومفيدة، فعلى الرغم من البناء الحجري القديم للمبنى فإن القاعات مجهزة تجهيزا حديثا ومريحا.
أما مدينة اسطنبول فتتميز بالجمع بين الشرق والغرب فهي تشبه الدول الأوروبية في تقدمها وخدماتها، وهي تشبه الشرق في الأطعمة وانتشار المساجد والتاريخ الإسلامي الطويل. وبالإضافة لذلك فهي تتميز بجمال الطبيعة حيث تطل على بحر مرمرة ومضيق البسفور، ويمر بها خليح القرن الذهبي، وهذه المياه مع ما تتمتع به اسطنبول من الخضرة وما تتزين به من الورود يخلق صورة جميلة حيثما ذهبت.
مدة المؤتمر هي أربعة أيام من 3 إلى 6 يوليو 2012. وقد بدأ كل يوم بمتحدث رئيسي Keynote Speaker ثم جلسات متوازية لعرض الأبحاث المختلفة في مسارات متعددة مثل: تخطيط الإنتاج، بحوث العمليات، النمذجة، سلسلة الإمداد، أنظمة الخدمات، إدارة المشروعات، أنظمة الرعاية الصحية، إدارة المخزون، سياسة تقليل الفاقد، التصتيع والتصميم، رقابة الجودة، الهندسة البشرية، الطاقة، تخطيط المواقع، العمل الإلكتروني، دراسة الحالات. وأما المتحدثين الرئيسيين فقد تناولوا: مستقبل الهندسة الصناعية، دراسة عن الإبداع في الصناعة التركية، تطبيق سياسة تقليل الفاقد، ما الذي يجعل منتجا متميزا. يمكنك الاطلاع على العروض التي قدمها المتحدثون الرئيسيون من رابط موقع المؤتمر هنا، أما أبحاث المؤتمر فلم تُنشر في الموقع حتى الآن ولكن ربما تُنشر في وقت لاحق، ويمكنك الاطلاع على برنامج المؤتمر من هذا الرابط، كما يمكنك الاطلاع على أبحاث المؤتمرين السابقين من الرابطين: 2010، 2011.
شارك في المؤتمر باحثون من دول عديدة، وقد لاحظت أن هناك عددا كبيرا من الدول القريبة من تركيا مثل العراق وإيران والسعودية وعمان ومصر والكويت، وإن كان الحضور قد شمل الولايات المتحدة، والمملكة التحدة، وماليزيا، وزيمبابوي وكندا ودولا أخرى.
وقد كان من مميزات المؤتمر تنوع الأبحاث المقدمة، وموقعه القريب من مصر، وتركيزه على الهندسة الصناعية. وأما الجوانب السلبية كما أراها فهي: أولا: ضعف الحضور من الصناعة حيث كان معظم المشاركين من الجامعات وهو امر لا يخدم نشر الهندسة الصناعية، ويمنع الحاضرين من الصناعة – مثلي – من متابعة تطبيقات عملية للهندسة الصناعية، وإن كانت الفرصة واتتني لمتابعة بعض التطبيقات العملية ثانيا: تغيب بعض مقدمي الأبحاث عن الحضور.
وقد تم الإعلان عن المؤتمر القادم IEOM Jan. 2014 حيث من المقرر عقده في بالي بأندونيسيا في يناير 2014. ربما أمكنك أن تشارك ببحثٍ في هذا المؤتمر.
وقد شاركتُ ببحث عن تطبيق سياسة تقليل الفاقد في إحدى الصناعات الثقيلة، وعرضتُ في هذا البحث كيفية تطبيق سياسة تنويع المنتج Mixed Model Production ونظام سحب الإنتاج Pull Production، وتقليل أوقات الانتظار عن طريق أمر التشغيل الأتوماتيكي وغير ذلك، كما عرضتُ نتائج تطبيق هذه السياسة مثل خفض المخزون من المنتج نصف المصنع بنسبة 40% وخفض زمن التصنيع الكلي بنسبة تتجاوز 40% وكذلك خفض التفاوت في زمن التصنيع الكلي بنسبة تتجاوز 50%. وربما عرضتُ بعض هذه النتائج في سلسلة يوميات مدير. وقيمة هذا البحث هي أنه يعرض تطبيق حقيقي لبعض عناصر سياسة تقليل الفاقد في إحدى الصناعات المعدنية، وهو أمرٌ يختلف عن الأبحاث السابقة والتي اقترحت طرقا لتطبيق هذه السياسة في تلك الصناعة دون مثال حقيقي للتطبيق.
بعض الملاحظات من المؤتمر:
1- الأبحاث المقدمة عن تطبيقات الهندسة الصناعية ونظام تقليل الفاقد Lean في المستشفيات في الولايات المتحدة حيث تم تقديم عدة أبحاث في هذا الشأن. وبَيْن ضعف انتشار الهندسة الصناعية في مصانعنا، وتطبيقاتها في المستشفيات في الولايات المتحدة فارق كبير. والمرء يتساءل متى نجد قسما للهندسة الصناعية في مستشفياتنا؟
2- الحديث عن الإبداع innovation في الصناعة التركية ونتائج دراسة استمرت لعدة سنوات يُظهر اهتمام المصانع التركية بتطوير منتجاتها، وقد لمستُ ذلك في تطبيقات الهندسة البشرية في الترام، وفي المنتجات المعروضة بالأسواق من منسوجات وأحذية وعطور وغيرها. وهذا الحديث قد أثار أشجاني لأنك لا تكاد أحد يستخدم كلمة “إبداع” في مجال التصنيع -في بلادنا- ولو ذُكِرَتْ الكلمةُ لذهبَ الذهنُ إلى مجال الفن. لقد مضى زمن الافتخار بتصنيع سلعة ما، ولكنَّ العالم يتسابق في الإبداع في تطوير المنتج، والإبداع في تطوير أسلوب العمل، والإبداع في تقليل التكلفة. لابد أن نتفهم حقيقة أن المنافسة عظيمة وأن المنتجات لم تعد تستمر لسنوات طويلة كما كان في السابق، وإن لم نتسابق في الإبداع فلن نستطيع أن نبيع منتجاتنا.
3- الحديث عن مستقبل الهندسة الصناعية عالميا والموضوعات التي يجب التركيز عليها يقودنا إلى التفكير في كيفية الاستفادة من الهندسة الصناعية في تطوير بلادنا في السنوات القادمة وكيفية اختيار المشروعات التي نحاول التركيز عليها. وربما فتحنا حوارا عربيا حول التسمية، فربما كانت تسمية هندسة النظم أو هندسة نظم العمل هي تسمية أكثر تعبيرا عن طبيعة هذه المهنة من مسمى هندسة صناعية، وربما كانت هذه التسمية تُبَيِّن إلى حد ما يقوم به المهندس الصناعي وتمحو من الذهن ارتباطه بالمصانع فقط.
4- إحدى مزايا مثل هذه المؤتمرات هي أن تتعرف على تجربة الآخرين في تطبيق بعض ممارسات الإدارة الحديثة، وأن تتعرف على التحديات التي واجهوها، وتزيد هذه القائدة إذا كان المثال من نفس الصناعة أو من نفس المنطقة الجغرافية. وقد استمتعت بمتابعة بعض الأمثلة من السعودية عن مقاومة التغيير وعن تقليل زمن تنفيذ أمر الشغل في أعمال الصيانة. الأمثلة العربية الناجحة تُثبت إمكانية التطبيق في البيئة العربية، وتعرض في ثناياها كيفية مواجهة العراقيل. ولذلك لو تفضَّلَت إحدى الجامعات أو الهيئات العربية بعقد مؤتمر عربي للهندسة الصناعية أو نظام تقليل الفاقد ودعت إليه المهندسين الصناعيين وغيرهم من الصناعة، ودعت إليه الباحثين لكان لذلك عظيم الأثر في تبادل المعلومات ونشر الهندسة الصناعية.
من الأمور اللطيفة أنني قابلت المهندس حيدر من العراق في المؤتمر وهو أحد متابعي هذا الموقع، وكان مشاركا ببحث في المؤتمر.
بعض الملاحظات بعيدا عن المؤتمر:
1- نظافة المساجد التركية مهما كانت صغيرة هي أمر واضح، ومن أسبابه فصل مكان الوضوء عن المسجد، واستخدام الأكياس البلاستيكية لحفظ الأحذية في المسجد، علاوة على سلوك المواطنين والذي يظهر في نظافة الشوارع مهما كانت صغيرة، وكذلك في نظافة الباعة الجائلين.
2- يبدو أن علم الهندسة البشرية لديه جذور في ثقافة ذلك البلد، فقد لاحظت ذلك في أماكن أثرية وفي وسائل حديثة. على سبيل المثال تصميم مكان الوضوء في مسجد السلطان أحمد القديم يجعلك تجلس وانت مستريح، فارتفاع المكان الذي تجلس عليه والمسافة بينه وبين صنوبر المياه ووجود مكان لتضع عليه قدميك، كل ذلك يجعلك تشعر بالرّاحة. لاحظتُ في الترام بعض اللمسات من الهندسة البشرية مثل وجود مسند للظهر في بعض أماكن وقوف الركاب، ومثل اختلاف مستوى المقاعد من صف لآخر مما يُعطي بعض الخصوصية.
3- من الأماكن التي لا يذكرها السياح كثيرا والتي استمتعت بزيارتها متحف الأحياء المائية Turkuazoo والموجود في أو بجوار سوق تجاري يسمى فورم اسطنبول. وقد استمتعت برؤية كمية كبيرة ومتنوعة جدا من الأسماك والشعب المرجانية…سبحان الله. واستمتعت بالسوق التجاري بتصميمه الجميل خاصة السقف الشفاف الذي يسمح بنفاذ ضوء الشمس. وازدادت استفادتي عند زيارة إكيا IKEA وهو – لمن لا يعرفه – شركة سويدية متخصصة في تصنيع أثاث المنزل ولوازمه. وقد استمتعت برؤية بعض التصميمات البسيطة والمفيدة جدا مثل: كشَّاف صغير يتم شحنه يدويا عن طريق تدوير ذراع قصير، حافظة تُعَلَّق على جانب الكرسي أو الأريكة لوضع جميع أدوات التحكم عن بعد Remote Control الخاصة بالتليفزيون والمستقبل وغيرها. مشاهدة مثل هذه التصميمات تجعلك تعرف أن الإبداع مجاله واسع وأنه لا يتوقف حتى في الأمور التقليدية جدا.
4- هناك ولعٌ باستخدام الورود في تزيين الطرق وهو ما يُضفي بهجة على المدينة.
5- من الامور التي أفادتني في الرحلة هو جمع الكثير من المعلومات قبل السفر عن الأماكن السياحية وقت زيارتها وتكلفة الدخول وطرق الوصول إليها، وكذلك وضع جدول للأيام الثلاثة السابقة للمؤتمر لزيارة بعض تلك الأماكن. وهناك منتديات عربية كثيرة غنية بالمعلومات عن اسطنبول، وهناك موقع مفيد في هذا الشأن اسمه اسطنبولية.
6- تتميز المطاعم التركية بأسلوب متميز لإعداد الطعام، وتتميز الفاكهة والألبان والجبن كذلك بمذاق جميل.
7- استخدمت موقع Booking.com لحجز السكن وقد أعجبني الموقع.
صفحات أخرى:
شكر على الموضوع الشيق والمفيد
مقال رائع وشكرا على المجهود.
هل من الممكن الحصول على نسحة من بحثطك.
اخوكم اسامة نوري
thanks for your article. Dr. Khadem, Program chair IEOM2012
إهتمامك بالمؤتمرات المتخصصة ، وحرصك على تبليغنا بمختصر مفيد عنها ، بالإضافة لتعقيبات عن البلد والمحيط الإجتماعي .. كل ذلك دلالة محترمة عن شخصية فاعلة ، زاد الله من أمثالك .. لك مني شكر خاص
المهندس محمود
لك مني التحية والتقدير وشكرا على قراءتك لهذه المقالة.
شكرا
كل عام وحضرتك بخير وجزاك الله خير على هذه المعلومات القيمة والوصف الدقيق كأننا كنا معك.
كالعادة طريقة بسيطة وشيقة في كتابة المقالة
ما شاء الله مجهود رائع زادك الله توفيقا
بارك الله فيك اخى سامح على هذه المعلومت، فعلاً ما احوجنا نحن الدول العربية لتطبيقات الهندسة الصناعية فى جميع نواحى الحياة … وسوف اعمل جاهدا باذن الله لحضور المؤثمر القادم 2014 . انا تخصصى بكالوريس هندسة صناعية وماجستير ادارة مشاريع هندسية. وجُل اهتماماتى وعملى يتركز فى مجال تقييم المشروعات واعداد دراسات الجدوى وهذا هو المجال الذى وجدت فيه ضالتى فى تطبيقات الهندسة الصناعية والحمد لله … اتمنى لك التوفيق
شكرا لك مهندس سامح جزاك الله خيرا
الحقيقة مقال رائع يا أستاذ سامح, ودائما الى رقى بإذن الله
لقد لفت نظرى الى أشياء كثيرة و معرفتى بتجربتك هذه مشجعة لى جدا في موضوع النشر و البحث باذن الله
جزاك الله خيرا
الأستاذ عماد
أتمنى لك التوفيق
شكرا
معلومات رائعة جدا جدا … الف شكر وتقدير لجهودكم الكريمة .
الأستاذ شمسي
شكرا على المتابعة
تعتبر تركيا من أم البلاد التي تذكرنا بعراقة الاسلام وحضارته ، ونتمنى فعلا من الدول العربية ان تسير على خطى تركيا وتعطي مزيد من مساحات الدعم لهذا التخصص المبدع وغيرها من مجالات التنمية والتطوير
شكرا يا مهندس سامح على هذ الموضوع الجميل والمهم
المهندس سمير
شكرا على إثراء الموضوع