نستكمل في هذه المقالة مناقشة عناصر ثقافة نظام تويوتا الإنتاجي Toyota Production System حيث نستعرض أسلوب اقتلاع المشاكل من جذورها. كنت قد استعرضت ثقافة التخلص من الفواقد في المقالة السابقة.
أسلوب التغطية من الرأس إلى القدم
ما الذي يحدث عند حدوث مشكلة في الأنظمة التقليدية؟ إن محاولة حل المشكلة وإعادة الوضع إلى ما كان عليه تأخذ الأولوية الأولى وربما الأخيرة فبمجرد عودة الوضع إلى ما كان عليه نتناسى المشكلة. وبعد ذلك تتكرر المشكلة بعد فترة فنُعيد الوضع إلى ما كان عليه ونتناسى المشكلة وهكذا. وكأنَّ تكرر المشكلة هو أمر مَقبول. ولكن نسيتُ أن أذكر أمرا عظيما نفعلُه وهو أننا عند حدوث مشكلة نتخذ من التدابير ما يجعل هذه المشكلة لا تطفو على السطح مرةً أخرى. إننا لا نمنع حدوث المشكلة وإنما نحتفظ بمخزون كبير من قطع الغيار أو المواد الخام أو المنتجات لكيلا تكون هذه المشكلة مؤثرة أو بمعنى أدق لكيلا تعلم إدارة المؤسسة أن هناك مشكلة. بذلك نكون قد غطينا المشكلة من رأسها إلى أخمص قدمها.
في هذا الجو يتسرع المسئولون في اتهام هذا أو ذاك بالتقصير والإهمال الذي أدى إلى حدوث المشكلة ويكتفون بالتَحسر على سوء الأداء ومعاقبة الشخص أو الأشخاص المتهمين. نتيجة لذلك فإن المستويات الأدنى تحاول إخفاء المشاكل ولا تُطلع المديرين على كل شيء. يترتب على ذلك أن يقوم المديرين بمحاولة حل المشاكل بناء على معلومات ناقصة. أضربُ لك مثالا: ماكينة حدث بها كسر للجزء الدوار كمثل عامود المروحة فيأتي المهندس والمدير ويضربون أخماسا في أسداس (أي يفكرون في أسباب وهمية للمشكلة) ولا يعرفون السبب. بالطبع هم يظنون أن المروحة كانت تعمل على ما يرام وفجأة حدث بها هذا العطل. في حالات كثيرة تكون هناك بوادر للمشكلة أو سبب واضح جدا مثل نقصان الزيت أو التزييت بزيت خاطئ ولكن المشغل أو مسئول الصيانة لن يُخبر المديرين لأنهم سيعتبرونه مُجرما. وبالتالي يتم افتراض أسباب وهمية ويغلب سوء الظن. بهذا تكون المعلومات مغطاة والمشكلة مغطاة فهذا هو أسلوب التغطية في حل المشاكل.
أسلوب الاقتلاع من الجذور
أما في نظام تويوتا (أو التصنيع الخالي من الفواقد Lean Production) فإن الأمر مختلف تماماً. إن محاولة إعادة الوضع إلى ما كان عليه تسير جنبا إلى جنب مع أسلوب تحليل السبب الجذري للمشكلة. إن ثقافة العاملين هنا هي “نريد منع حدوث المشكلة مرة أخرى”. إننا لا نريد تغطية المشكلة ولكن نريد منعها فإننا عندما نجعل المشكلة لا تتسبب في تأخر وصول المنتج إلى العميل فإننا لم نمنع الفواقد والتكلفة التي لا داعي لها ولكننا جعلنا تأثيرها مدفونا. أما في نظام تويوتا الإنتاجي فإننا لا نريد فواقد أصلا فنحن نريد التخلص منها ولذلك فنحن نبحث عن السبب الجذري.
في هذه الثقافة لا يتسرع أحد للوصول إلى أي سبب يصادفه أو أي اتهام يلقيه على غيره بل كل من له علاقة بالأمر يشترك في الوصول إلى السبب الجذري. عمقٌ في التفكير….تروٍ في الوصول إلى الحل….تفكير جماعي….الاعتماد على الحقائق….تطبيق الحل….ثم تنتهي المشكلة تماماً. في هذا الجو لا يُخفي أحد الحقائق فلا أحد يصيبه الذعر عند حدوث مشكلة.
إن الحالات التي يكون فيها الخطأ متعمَّدا قليلة جدا ولكن الأخطاء تأتي من أسباب أخرى كثيرة منها سوء تصميم نظام التحكم، سوء تصميم مكان العمل، عدم تدريب العامل أو المسئول بالقدر الكافي، عدم توفير وسائل تمنع حدوث الخطأ، وجود خطأ في تعليمات العمل، الإرهاق نتيجة للعمل لساعات طويلة،….إلى آخره. وحتى في حالات تعمد الخطأ فإنه يجب علينا أن نبحث عن السبب الجذري الذي يدعو موظف ليتعمد الخطأ أولكي يكون مهملا. في هذه الثقافة يتم التعامل مع الإنسان على انه إنسان أي من الطبيعي ان يخطئ ولكن علينا أن نصمم العملية وندرب الموظف لكي يكون من الصعب جدا أن يخطئ. التركيز هو على تطوير العملية وعلى البحث عن الأسباب الجذرية.
مقارنة بين الفكر التقليدي وفكر تقليل الفاقد (نظام تويوتا الإنتاجي):
الجدول أدناه يقارن بين أسلوب التعامل مع الفواقد (المشاكل) في الفكر التقليدي وفكر نظام تويوتا الإنتاجي.
النظام التقليدي | نظام تويوتا الإنتاجي TPS |
محاولة الوصول إلى السبب بسرعة | محاولة دراسة المشكلة بعمق وعدم استعجال الوصول إلى السبب |
“البطل” هو من يتوصل إلى السبب بسرعة | فريق العمل سيكون هو البطل عندما يتوصل إلى السبب الجذري بعد تفكير جماعي عميق |
س: إن العامل قد أخطأ ص: عاقبه ونبه عليه ألا يخطئ مرة أخرى | س: إنه خطأ العامل ص: ولماذا أخطأ؟ س: لأنه التعليمات لم تكن واضحة ع: ولماذا لم يكن على دراية بذلك س: إنه عامل التحق بالعمل حديثا ن:ولماذا لم يتلق التدريب الكافي س: لقد تلقى تدريبا وواضح أن هذه النقطة فاتته ص (بعد المناقشة مع الآخرين): أولا: يتم تصحيح واستكمال تعليمات العمل ثانيا: يتم شرح المشكلة لكل العاملين ثالثا: يتم التأكد من مستوى التدريب الذي تم لكل العمال الجدد ويتم تدريبهم على أي أعمال لم يتدربوا عليها رابعا: يتم شرح المشكلة للمدربين ليراعوا ذلك في برامج التدريب خامسا: يتم منع حدوث المشكلة عن طريق تمييز ألوان المفاتيح وكتابة أسمائها وكتابة تحذير تحت مفتاح إيقاف المعدة |
لدينا من الخبرة الطويلة أن نعرف أسباب المشاكل عن طريق التليفون أو بقراءة التقارير | زيارة الموقع ومناقشة المشكلة هناك |
الأسباب التي يُتوصل إليها عادة كبيرة وغير حقيقية | الأسباب التي يتوصل إليها عادة ليست ظاهرة وعادة أشياء بسيطة |
عند حدوث الخطأ يخاف الشخص المسئول حتى لو لم يكن له علاقة بالمشكلة | عند حدوث الخطأ فإن الجميع يلتحمون للوصول إلى السبب لكي يمنعوا تكرره |
العبارات التي تتردد عادةً: العامل غَبي، المهندس لا يَفقه شيئا، المدير فاشل، أنا قلتُ أن هذا سيحدث | العبارات التي تتردد عادة: لماذا لماذا، لماذا، لماذا، لماذا، العملية تحتاج لتعديل، العامل يحتاج أدوات مساعدة، الجهاز يحتاج تطوير |
المطالب المعتادة: نريد شراء عدد 3 أجزاء احتياطية لمواجهة المشكلة عند تكراراها | المطالب المعتادة: نريد شراء كذا أو عمل كذا لتطوير الجهاز أو طريقة العمل لمنع حدوث المشكلة |
لا يمكن تحديد الأسباب الحقيقية لأن الشخص الذي يعرف الحقيقة يخاف أن يذبح نفسه أو يذبح زميله | لا مانع من ذكر الحقيقة فهي الوسيلة لمنع المشكلة ثم إن الخطأ من طبيعة البشر وعلينا مساعدة المخطئ لكيلا يتكرر الخطأ |
المناقشات الشفهية المعتمدة على فلان قال كذا، وتقريبا كذا، وغياب الأرقام والحقائق | المناقشات يصاحبها تقارير بها الحقائق والتاريخ والأرقام والرسومات |
أسلوب الدراسة: لا داعي لدراسة الأمر فالأمر واضح جدا | أسلوب الدراسة: عصف الذهن، مخطط هيكل السمكة، تقارير A3، اجتماعات، تجميع معلومات |
المشاركون في الدراسة: كُبراء القوم فقط | المشاركون في الدراسة: كل من له علاقة بالأمر من صغير أو كبير والصغير قبل الكبير بمعنى أن عامل التشغيل قد يشارك ومدير الشركة لا يشارك |
النتائج: المشاكل تتكرر ويتم التعامل معها كل مرة | النتائج: المشاكل لا تتكرر بل يتم حلها جذريا |
العمل مُمل | العمل عبارة عن متعة حل المشاكل وتطوير العمل |
الكثير من المشاكل يتم التعتيم عليها حتى لا يعاقب أحد | الكل يسعد بطرح المشاكل والأخطاء لأنها ستؤدي إلى تطوير العمل لا إلى معاقبة العاملين |
المشغلون في وادٍ والإدارة في وادٍ | الإدارة والمشغلون متاح لهم نفس المعلومات وكل المعلومات |
أدوات دراسة المشاكل في نظام تويوتا الإنتاجي
للوصول إلى حل للمشاكل من جذورها فإن هناك عدة أدوات تستخدم عادة في الشركات المطبقة لهذا النظام. من هذه الأدوات: مخطط هيكل السمكة، منحنى باريتو، اسأل 5 مرات لماذا، عصف الذهن، تقرير أ3، خطط/افعل/ادرس/أعد الكرة مرة أخرى. هذه الأدوات لها سمات مشتركة فهي:
-
بسيطة بحيث يستطيع أي أحد أن يستخدمها وفي أي مكان بما في ذلك الفنيون في مكان عملهم
-
التعمق في التفكير فهي تشجع على بحث كل الأسباب
-
الاعتماد على الحقائق فهي تعتمد على الأرقام والحقائق
-
إتاحة الحقائق والمعلومات للجميع عن طريق الاجتماعات والتقارير الوافية
-
الفكر الجماعي كما في عصف الذهن
دعنا نستعرض هذه الأدوات لنر كيف تعمل وكيف تستخدم وما تتميزبه في المقالة القادمة إن شاء الله وهي على الرابط التالي: أدوات دراسة المشاكل
صفحات أخرى:
نظرات في كتاب: نظام تويوتا الإنتاجي – 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من عميق قلبي اشكر لكم على انشاء هذا الموقع والذى هو اثراء فعلى يستفيد منه من اطلع عليه ويتميز بسهولة الطرح ووفرة المعلومة المنهجية
اخوكم
سامى الحربي
المدينة المنورة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكرا استاذ سامي
مقالاتك جدا رائعة وعلمية وذات بعد تثقيفي
شكرا جزيلا على هذه المعلومات الرائعة
شكرا للمعلومات الرائعة
حضرة المحترم السيد / سامح
سعدت جدا بالمنشور عن تحليل الاسباب الجذرية اتمنى ان اجد شيتا عن تحليل العمليات PROCESS ANALIZES
الأستاذ هشام
ربما تجد شيئا في هذه المقالات
شكرا
المحترم السيد سامح
لقد قرأت تقريباً أغلب مقالاتك التي عرضتها ، وهذا شئ رائع وجميل واتمنى لك التقدم والإستمرار واعتقد هناك خيط رفيع مابين TPS ,JIT, LEAN PRODUCTION& LEAN MANUF. كل هذه المفاهيم متداخلة ومكملة لبعضها.
واقترح عليك كتابة مقالة بالخصوص، كما ارجوا كتابة مقالة عن الـ MRP I&II
الأستاذ صلاح سعادي
شكرا على قضائك بعض الوقت بين جنبات هذا الموقع. إن شاء الله أحاول الكتابة عن MRP.
شكرا
شكراً على جهودك المبذولة، لكن ألا ترى انه هناك فرق بين الانتاج الرشيق ونظام JIT, انت ذكرت بشكل كافى نظام JIT ولكن نظام الانتاج او التصنيع الرشيق يركز بالدرجة الاولى على الزبون وخلق القيمة من وجهة نظر الزبون وهو اوسع من JIT ، بل JIT هي احدى ادوات الانتاج الرشيق ، ومن ادوات الانتاج الرشيق الاخرى:
– التصنيع الخلوي.
– الصيانة المنتجة الشاملة.
– التحسين المستمر.
– التغيير السريع.
– الادارة المرئية.
اما مبادئ التصنيع الرشيق فهي
– الاعتراف الهدر .
– القيمة.
– تدفق المنتج.
-العمليات القياسية.
– سخب الانتاج.
التكامل .
ارجو الاستفادة من هذا التعليق . وارجو اذا كانت هناك اضافة فتكون على البريدالخاص بي. وشكراً
الأستاذ يوسف
شكرا على اهتمامك
كنت قد تعرضت لهذه الادوات والعتاصر والتعريفات في عدة مقالات أخرى
شكرا
حل المشاكل من جذورها….Root Cause Analysis
لقد وضعت يدك على الجرح الغائر يا أستاذ سامح، فكم من ملايين أهدرت بهذا السبب، وهو ما أدعوه بـ(الهروب إلى الأمام)، وقد عايشت الكثير من الكوارث بسبب العقلية المتردية التي تدير الكثير من مصانعنا. فهذا مدير يعجز عن حل مشكلة أو السيطرة عليها فيقترح عمل تطوير أو تحوير أو تجديد بحجة أن المعدات الحالية غير صالحة وكثيرة المشاكل.. وبدل أن يحاسبه رئيسه عن الفشل في حل المشكلة يقوم بالموافقة على هذا الإجراء التلفيقي ويحيله إلى من هو أعلى منه الذي بدوره يوافق عليه ومن ثم يحال إلى رأس الهرم في الشركة فيعتمده بناءً على موافقات من هم تحته، ولأن ما بني على باطل فهو باطل يكون مصير هذا الإجراء الفشل بعد أن يكون قد استنزف الملايين من خزينة الشركة التي تضن بها حتى على الاحتياجات الضرورية للعملية التصنيعية وعلى رأسها تكوين الكوادر المؤهلة والمتخصصة وعلى التدريب والتعليم المستمر أو على قطع الغيار الأصلية أو حتى على أماكن استراحة العاملين من حجرات التغيير والحمامات والمراحيض وأماكن تناول الطعام اللائقة بالآدميين..
وهذا آخر يخترق الهيكل القيادي للشركة من قعره إلى رأسه فيقنعه بشراء آلة حديثة تكلف قرابة المليون لمصنع لم يحقق نصف الطاقة الإنتاجية التصميمية له منذ افتتاحه، وفنييه لم يحققوا جزء من الطاقة التشغيلية للآلات القديمة، التي سيتم الاستغناء عن اثنين منها ستذهب إلى الخردة أو تباع بثمن بخس في مزاد علني يمكن التلاعب به..
وحيث ينعدم الحسيب والرقيب والضمير، فلك أن تتصور مدى استشراء الفساد والهدر للإمكانيات..
العجيب أن أحد كبار المتسببين في هذا الدمار يعلق في مكتبه لوحة تقول:
((الحل الخاطيء لمشكلة ما .. هو أسوأ من المشكلة نفسها))
أي والله !!!!
(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)
أرجو التركيز على الكلفة العالية للحلول التلفيقية العاجزة وآثارها في خلق جيل من المفسدين..
لأن ..
((الساكت عن الحق.. شيطان أخرس))
مع خالص تحياتي ..
الأستاذ البري
شكرا على تعليقك. هذه الأمثلة التي ضربتها هي أمثلة واقعية ربما صادفت الكثير منا وهي بالطبع مؤسفة جدا. ومن أسباب ذلك عدم إلمام المدير بالحقائق. وهذا جزء من ثقافة نظام تويوتا الإنتاجي وهو التواجد في الموقع ومتابعة العمل من هناك. أما البقاء بعيدا عن الموقع فهو يسمح للمنافقين بخداع المدير بأي كلام يفترونه.
شكرا
الأستاذ smartnet
شكرا على هذا التشجيع وجزاك الله خيرا
شكرا
هذه أول مرة أرى تعريب عالي الجودة للمفاهيم الإدارية
بوركت و بورك مسعاك
الأستاذ عبد الحق
لم أكتب في هذا الموضوع حتى الآن.
شكرا
هل هناك مقال حول نظام MRP